يمثل
العلم وطبيعته وتطوره أهمية خاصة بالنسبة للفيلسوف المهتم بفكرة المعرفة الموضوعية
للعالم الخارجي. ولا يمكن أن يكون فهم العلم مكتملاً حتى يحتوي تقييماً لطبيعة
العلاقة الكائنة بين النظريات العلمية المتتابعة، أي: أن يحتوي على تصور لتطور
المعرفة العلمية.
والحقيقة أن مشكلة
تطور المعرفة تحتل مكانة على درجة عظيمة من الأهمية، وتمثل دوراً حيوياً في كتابات
الإبستمولوجيين المعاصرين.
وتهتم هذه الدراسة
بموقف الفيلسوف المجري إيمري لاكاتوس الذي حاول وضع معيار موضوعي لتقييم العلم.
ومع أن لاكاتوس رفض التكذيب، إلاّ أنه تابع كارل بوبر في محاولة إيجاد معيار
عقلاني لتطور المعرفة. وقد حاولنا تسليط الضوء على بعض أفكار هذا الفيلسوف، لأننا
وجدنا فيها الأصالة والابتكار والجدة، وقد حرصنا على اختيار هذا الموضوع لإغناء
المكتبة العربية بها، وتأتي دراستنا بعد رسالتي ماجستير قدمتا في مصر، هما:
1
- إبستمولوجيا تقييم العلم وتأريخه، وهي رسالة ماجستير للطالب هاني مبارز حسن،
قُدّمت في جامعة عين شمس المصرية عام 1997.
2
- لاكاتوس وموقفه النقدي من العلم، وهي رسالة ماجستير للطالب إبراهيم جمول، قدمت
في مصر أيضاً عام2004 .
لقد حاولنا الاستفادة مما قُدّم في هذين
العملين، ومن ثم تجاوزهما والتوسع قدر الإمكان.
إن الكشف عن المجهول، والثراء الفكري وتقديم
الجديد ديدننا الدائم، وهذا الهاجس ساهم في تذليل الصعوبات التي واجهتنا أثناء
الدراسة، ابتداءً بندرة المراجع العربية، مروراً بصعوبة اللغة التي كتب بها لاكاتوس
وتعقيدها، إضافةً إلى الأسلوب التهكمي الساخر، حيث كان في أغلب الأحيان لابد من
تأويل النص بما يتلاءم مع روح الفلسفة، وانتهاءً بصعوبة تحليل أفكار هذا العلم
الفلسفي الإشكالي.
وإن القراءة المعمّقة لإبستمولوجيا لاكاتوس
وفكره تقودنا إلى اعتبارها إشكالية، وبرأينا فإن هذه الإبستمولوجيا ساهمت في تحليل
و تقييم المعرفة العلمية، وتاريخها في الربع الأخير من القرن المنصرم.
وإبستمولوجيا لاكاتوس، بل ميثودلوجيا لاكاتوس –
كما أطلق عليها لاكاتوس نفسه، تُعدّ من الفلسفات الإشكالية في حد ذاتها، وذلك
للأسباب التالية:
1- نشرت معظم أعمال لاكاتوس بعد وفاته، مثل
محاضراته عن المنهج التي نُشِرَتْ بعد عام 1985، وهناك أعمال لم تُنشرْ بعد.
2 - تعدّد مصادر
فلسفة لاكاتوس.
3
- تناقض تلك المصادر، وعلى سبيل المثال: الهيجيلية من جهة، والعقلانية النقدية من
جهة أخرى.
4
- عدم ثباته على أية حقيقة، منطلقاً من مبدأ Every
Thing False
الذي كان يختتم به محاضراته أمام الطلاب ويعني به " كل شيء باطل".
لكن ذلك لا يمنع
اعتبار لاكاتوس من أوائل الإبستمولوجيين الذين قدّموا رؤية جديدة لقراءة العلم،
والبحث حول منهجه، وقد حاول هذا الفيلسوف أن يقدم محاولة لبناء نظرة منهجية علمية
لبعض النظريات، وامتلك إستراتيجية فكرية متينة حاول بها تجاوز فلاسفة العلم،
والإبستمولوجيين البارزين.
وقد حاولنا في هذه
الدراسة الإشارة إلى المفاصل الرئيسة في فكر الفيلسوف، الذي لا نغلوإن وصفناه
(أي:فكرهُ) بالموسوعي، وذلك بسبب تناوله جوانب عديدة من المعرفة العلمية،
تُمَثِّل معلماً بارزاً في تأريخ المعرفة العلمية، على الرغم من التناقض الذي
سيظهر أحياناً، وهو ناتج عن شخصية لاكاتوس
ذاتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق