السبت، 17 مارس 2012

اليامين بن تومي: فلسفة اللغة: قراءة في المنعطفات والحدثيات الكبرى. (من تقديم الكتاب)

يتقاولُ هذا الكتاب فلسفيا ليفضَّ التمشكلات المختلفة التي طرحتها مباحث فلسفة اللغة .فاللغة هي بيت الوجود كما يقول هيدجر ، هي المخلِّص من تلك الالتباسات الميتافيزيقة و التقنية التي جففت الإنسان و جعلته مجرد تابع سخيف للميتافيزيقي و التقني .

إنها صححت المسار الكلياني للمشروع الفلسفي الإنساني، فهي تبحث دائما داخلها عن فضاء للحوار لخلق عالم معيش خال من التعصب والعنف.فاللغة هي ما يختزن العالم ..نفكر بها ضدنا و ضدها هي الحامل لهذا الموروث  هي الحضور والغياب ، هي الأنا و الآخر ، هي المساحة الامتناهية من التحاور و النقاش ..هي العنف والتسامح ..هي الجمال منتهى القيمة حين يتأسس ذلك الفضاء الذي تمحي فيه انانية الذات و تنصرف منه كل النزاعات ..هي التذاوت البيني الخالق لرغبة التعارف و الإعتراف .

هي   ما يتأول الوجود كائنا جماليا ، هي ما يُحصِّل الرغبة..النشوة ما يستنزف الوجدان إنها لعبة المؤانسة والمثاقفة حين تنفتح الثقافة على أسئلتها و تستنير المعاني بغيرها وتحصل الدلالات في مسار مثخن بالتجارب و النقاشات.

لذلك تعاضدت محاور هذا الكتاب ودراساته المختلفة لبيان تلك الجوانب المخفية من كمون اللغة ..إخراجها من القوة إلى الفعل إلى تصييرها ظاهرة للبحث و الوقوف على أهم النقاشات و المشاريع الفلسفية التي جعلت الطرح اللغوي صلب فلسفتها .

د. إسماعيل مهنانة: من تقديم كتاب مدرسة فرانكفورت النقدية

في ثقافة المدرسة الفلسفية:

لم تكن النظرية النقدية، أو مدرسة فرانكفورت، جهدا فرديا أو فلسفة تدور في فلك شخصية واحدة، لكي يكون نقلها إلى العربية سهلا في متناول الجهد الفردي، وبقدر عجبي لخلو المكتبة العربية من أي عمل موسوعي يلمّ بكل شخصيات وأبعاد مدرسة فرانكفورت، بقدر زوال الدهشة لما فاجأني من تعقّد الظاهرة النقدية للمدرسة؛ امتداداتها، تشعّباتها وتأثيراتها في فلسفات القرن العشرين وإلى غاية اليوم، ولهذا ارتأينا مع نخبة فلسفية من الأكاديميين العرب، أن نستنهض الجهود المعزولة للباحثين العرب في مشاريع أعمال موسوعية جماعية، توحّد وتركّز وتنسق البحث الفلسفي والفكر النظري العربيين.

يدخل كتاب "مدرسة فرانكفورت النقدية" بوصفه المجلّد الثاني من سلسلة الكتب الجماعية التي تصدرها "الرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة" بعد مجلّد "الفلسفة السياسية المعاصرة".

في هذا الكتاب يتحرّك البحث الفلسفي في حركة نسقية متابعة لكل أبعاد وشخصيات وموضوعات مدرسة فرانكفورت، تغطية تاريخية وفلسفية ونصية شاملة، حيث تحققت خطة الكتاب وفق اربعة ابواب رئيسة: أولها: القسم التاريخي الذي نعرض فيه إلى أجيال المدرسة الثلاثة، وفي الباب الثاني: خصص لمقاربات نقدية تلتحم في افقها مع هموم المدرسة، وجاء الباب الثالث: ليشتغل على بحث ميكانيزمات ومحركات الخطاب النقدي للمدرسة من الروافد والمرجعيات الفلسفية والتاريخي، التي نهلت منها المدرسة أسسها وأطرها النظرية، وكيف انعكست بدورها على الفلسفات الأخرى، أما الباب الرابع والأخير فهو مخصص لتقديم أهم النصوص الحاملة لفكر المدرسة (مترجمة).

لماذا الكتابة عن النظرية النقدية؟

 ليس ذلك فقط لأنها خطوة أولى لإرساء تقاليد فلسفة الإبداع الجماعي، فقد اخترنا النموذج الأبرز لهذا النوع من الفلسفات في الفكر الغربي، بوصفها الحركة الفلسفية الأوسع انتشارا والأكثر تأثيرا في القرن العشرين، و كذلك لحاجة الفكر العربي للفكر النقدي أكثر من أي فكر آخر. فثمة تشابه تاريخي واضح بين العصر الذي نشأت فيه مدرسة فرانكفورت وعصرنا العربي الراهن، فقد بلغ التشيؤ وشيوع الأفكار الجاهزة، وسرعة التصديق مبلغا مريعا من واقعنا، وانتشرت الديكتاتوريات والأنظمة والأيديولوجيات الشمولية، والتطرّف العقائدي والطائفي، أكثر مما انتشر ذلك في أوروبا الثلاثينيات من القرن الماضي، بل اتسعت دائرة البلاهة والتطيّر والاستخفاف بالعقل بشكل يفوق تصورات العقل نفسه، واستحكمت رأسمالية فجّة ،ومسخ طبقية رجعية في أقصى تجلياتها، مقابل بروليتاريا رثة مقطوعة الظل النظري، واستسلام متهافت للجماهير على الاستهلاك المقيت للسلع.

لا نستبق التشخيص وإسقاط النظرية على واقعنا، حين نقول أن فكرا يستلهم تراثه الحي لإعادة بعثه محمّلا بشواغل عصرِ مستقبلي، يمثل استراتيجية فلسفية مبدعة في حد ذاته.

إن تفتح الماركسية على كل رياح الميراث الفلسفي العظيم بتلك التخريجات المبتكرة، فتقرأ ماركس في ضوء فرويد والتحليل النفسي، كما فعل هربرت ماركيوز، وتقرأه قراءة هيجلية كما فعل جورج لوكاش وهوركايمر، وتقرأه بهوسيرل كما فعل أدرونو، ثم تعيد بعث الحداثة في عدم اكتمالها الكانطي كما فعل هابرماس، استراتيجيات متقاطعة ومحكمة المرامي في تحريك الإرث الفلسفي، كم نفتقدها في فكرنا العربي.

رب فكرِ فردي قد يسقط في الصنمية وتأليه المفكّر الذي أنتجه، وقد يتكلّس في أطروحات تنسب لصاحبها، وقد يتحول إلى عقائد تقتل حيويته وثراءه، وقد يصيبه الموت بلعنة العمر القصير البروموثيوسية، وتلك أكبر أخطار تهدد الفكر، لكن فكرا جماعيا مثل فكر مدرسة فرانكفورت قدّ تملّك حصانته من كل هذه الخطوب والعيوب، فهو عبارة عن حوار لا ينتهي بين عقول متعددة وأجيال متجددة، ليس ثمّة من يقطع شكا بيقين، ليس ثمة من يغلق خلفه الأبواب، ليس ثمة من ينتج خطاب للحقيقة، تاريخانية عديمة الثبات، سيرورة ثورية تزمّن العقل، كما يعلن ماركيوز في "العقل والثورة"، وصيرورات لا متناهية من التواصل والنقاش، أو عقلانية تواصلية كما يرى هابرماس.

 هكذا نجد الجيل الأول للمدرسة اشتغل على مشاغل العشريات السوداء لألمانيا والغرب، فمن جدل العقل والتنوير لهوركايمر، الى "الخوف من الحرية" لإريك فروم. إلى الجذر القمعي للحضارة وإنسان البعد الواحد/ماركيوز. ثم تنتهي الحربين الكونيتين بأسئلة فلسفية كبرى، يتسلّمها الجيل الثاني ويتسلّم معها رهان المصالحة/القطيعة مع الجراح، رهان النقاهة والمراجعات الفلسفية الكبرى؛ يصرفها هابرماس وجهات سجالية عدة، فمن سجال "النازية في الفلسفة" الذي أشهره في وجه مارتن هيدغر، ومحاسبة الالتزام السياسي للفلاسفة، إلى نقاش الحداثة غير الناجزة مع الفلسفة الفرنسية إلى نقاش حول وجاهة أطروحات ما بعد الحداثة ضدّ ميشال فوكو وفرانسوا ليوتار وجان بودريّار، ولا ننسى أن نشير إلى "صدمة الأمركة" التي عاشها هذا الجيل الثاني بوصفه جيلا مخضرما بين الفلسفة الألمانية والحياة الجامعية في أمريكا، كان على الفلسفة إذن أن تستفسر عن مصير إنسانية يقودها هذا العصر الأمريكي الرأسمالي، وحروبه الباردة والساخنة، مسائلات يحمل همّها الجيل الثاني، لكن هذا العصر الأمريكي/السوفياتي، هو أيضا عصر التنافس على التسلح النووي، وتدمير البيئة، والاكتشافات البيولوجية الخارقة، عصر الاستنساخ والاحتباس الحراري، والتغيرات الإيكولوجية المتسارعة، هو مجمل الانشغالات الفلسفية للجيل الثالث والأخير، جيل إكسيل هونيث وسيلا بن حبيب، فقد انفتحت فلسفاتهما على مسارات بيوطيقية وإيكولوجية ثرّة، كما انها لم تنس الانهمام الواقعي والفكري بمسألة التعددية الدينية والثقافية التي تثار اليوم كمشكل عالمي.

بهذا تكون مدرسة فرانكفورت أكثر من فلسفة، أكثر من تيار فكري، بل هي نهضة متوثبة للفكر، ومرصدا للتحذير من تجاوزات السلطة أو تمجيد الفكر لها، وعيادة حضارية تقدم التشخيصات اللازمة لمجتمعات غارقة في متاهات مرضية من تضخّم الرأسمال، وجماهير منسية في الاستهلاك المتسرّع للسلع، كشف دؤوب عن مسارات مبتكرة للحرية والتحرر، لعّل التحرر يكون في تخفيض آلة القمع الجنسي، وكشف جماليات جنسية أقل أوديبية من تلك التي صنعت الحضارة الغربية، أو لعلّ التحرر يكون بالقدرة الخارقة للفن على كشف مسارات الممكن من صلب مستحيلات الواقع، أو ربما التحرر يكون في الكشف عن ممكنات إنسانية تواصلية، عن نزعة إنسانية تعانق الكوني، الصامت والعابر للحضارات والإثنيات، الكوني الذي هو أسلوب حرّ في الانتماء المسالم والوديع للطبيعة والبيئة، كما سيحاول الجيل الأخير من المدرسة المرافعة لأجله.

                                           
                                         

علي عبود المحمداوي: الاشكالية السياسية للحداثة. (كتاب صدر عن منشورات الاختلاف)

يحاول هابرماس، كلحظة أولى، جاهداً الانفكاك من فلسفات الذات التي جاء بها العصر الحديث، فمنذ الذاتية الديكارتية الانطلوجية، إلى ميكانزمات الذاتية عبر المقولات والإطار الصوري الكانطي، ومن ثَمَّ إلى الذات الباحثة عن معناها تاريخياً مع هيجل، والطبقة كذات مع ماركس، كل ذلك شكَّل لدى هابرماس هاجس تخوف وقلق، صَعُب التخلص منه في تاريخ الفلسفة، إلا انه يحاول الانعطاف بمسار هذه المشكلة نحو نوع من النظرية التي لاتحيلنا إلى الذات أو مايقابلها من موضوع، بل إلى جدل بينذاتي تقترن فيه الذوات نحو تحقيق المطالب التي عجزت عن تحقيقها فلسفة الوعي- الذات، ولذلك فهي محاولة تأسيسية للكشف عن الحقيقة، ومعاييرها، وهذا هو صلب الفلسفة، أما عن اللحظة الثانية التي يتطلبها النسق الهابرماسي فهي تحويل مسار هذه النتيجة التذاوتية نحو إعادة تشكيل الوعي الإنساني، ومن ثَم الارتفاع به نحو جميع مستويات شأنه، بما فيها السياسة. ولذلك كله، وبعد أن يحاول بناء معيارية تذاوتية، يبحث عن إطارها فيجده في فلسفة التواصل، التي تعطي دوراً اكبر للتفاعل الإنساني، وتتحمل بذلك عبء التفسيرات المطلوبة لعلاقة الإنسان بذاته وبالمجتمع والطبيعة، وعليه ينتقل هابرماس إلى لحظة ثالثة هي كيفية تطبيق هذا المنهج سياسياً، محاولاً الإجابة عن التساؤلات التي عجزت الحداثة الذاتية عن حلها، والتي تتمحور في إشكال تحقيق مجتمع متساوي ومتحرر، مع وجود نظام سياسي شرعي، يبغي تحقيق العدالة وحفظ الحقوق الإنسانية.
تلك اللحظات سترافق بحثنا مع هابرماس من أجل إعادة بناء إطار شامل لرؤية هابرماس في الفلسفة السياسية، يمكن أن تصف التحولات وتفسرها وتكشفها، وإعادة التشكل التي قصدها وكتب عنها هابرماس، معالجة لأشكال النظم الفاسدة والعلاقات المشوشة بين النظام أو النسق بسياسته واقتصاديته مع عوالمنا المعاشة أو عوالمنا الحياتية اليومية، وكيف يمكن تحصيل التحرر من تلك الهيمنات؟ ولذلك فهو يُرفِق كل التأسيسات بنسق موازي لها، لاينفك عن أي لحظة من اللحظات السابقة، على شكل المعرفة المتعلقة بالمصالح البشرية، فلايمكن للمعرفة، مع هابرماس، أن تُختزل بالعِلموية وما أنتجته الوضعية، ولايمكن أن تكون صورة ميتافيزيقية بعيدة عن البراكسيس الاجتماعي، علاوة على أنها لن تستطيع تحقيق ذلك بلا نوع من التأمل الذاتي، والنقد. وهذا ما يرافق كل عمليات البناء وكشف التشويهات التي يشخصها هابرماس.

يسرى السعيد: ابستمولوجيا امري لاكتوس.


يمثل العلم وطبيعته وتطوره أهمية خاصة بالنسبة للفيلسوف المهتم بفكرة المعرفة الموضوعية للعالم الخارجي. ولا يمكن أن يكون فهم العلم مكتملاً حتى يحتوي تقييماً لطبيعة العلاقة الكائنة بين النظريات العلمية المتتابعة، أي: أن يحتوي على تصور لتطور المعرفة العلمية.

والحقيقة أن مشكلة تطور المعرفة تحتل مكانة على درجة عظيمة من الأهمية، وتمثل دوراً حيوياً في كتابات الإبستمولوجيين المعاصرين.

وتهتم هذه الدراسة بموقف الفيلسوف المجري إيمري لاكاتوس الذي حاول وضع معيار موضوعي لتقييم العلم. ومع أن لاكاتوس رفض التكذيب، إلاّ أنه تابع كارل بوبر في محاولة إيجاد معيار عقلاني لتطور المعرفة. وقد حاولنا تسليط الضوء على بعض أفكار هذا الفيلسوف، لأننا وجدنا فيها الأصالة والابتكار والجدة، وقد حرصنا على اختيار هذا الموضوع لإغناء المكتبة العربية بها، وتأتي دراستنا بعد رسالتي ماجستير قدمتا في مصر، هما:

1 - إبستمولوجيا تقييم العلم وتأريخه، وهي رسالة ماجستير للطالب هاني مبارز حسن، قُدّمت في جامعة عين شمس المصرية عام 1997.

2 - لاكاتوس وموقفه النقدي من العلم، وهي رسالة ماجستير للطالب إبراهيم جمول، قدمت في مصر أيضاً عام2004 .

          لقد حاولنا الاستفادة مما قُدّم في هذين العملين، ومن ثم تجاوزهما والتوسع قدر الإمكان.    

 إن الكشف عن المجهول، والثراء الفكري وتقديم الجديد ديدننا الدائم، وهذا الهاجس ساهم في تذليل الصعوبات التي واجهتنا أثناء الدراسة، ابتداءً بندرة المراجع العربية، مروراً بصعوبة اللغة التي كتب بها لاكاتوس وتعقيدها، إضافةً إلى الأسلوب التهكمي الساخر، حيث كان في أغلب الأحيان لابد من تأويل النص بما يتلاءم مع روح الفلسفة، وانتهاءً بصعوبة تحليل أفكار هذا العلم الفلسفي الإشكالي.

    وإن القراءة المعمّقة لإبستمولوجيا لاكاتوس وفكره تقودنا إلى اعتبارها إشكالية، وبرأينا فإن هذه الإبستمولوجيا ساهمت في تحليل و تقييم المعرفة العلمية، وتاريخها في الربع الأخير من القرن المنصرم.

وإبستمولوجيا لاكاتوس، بل ميثودلوجيا لاكاتوس – كما أطلق عليها لاكاتوس نفسه، تُعدّ من الفلسفات الإشكالية في حد ذاتها، وذلك للأسباب التالية:

       1- نشرت معظم أعمال لاكاتوس بعد وفاته، مثل محاضراته عن المنهج التي نُشِرَتْ بعد عام 1985، وهناك أعمال لم تُنشرْ بعد.

2 - تعدّد مصادر فلسفة لاكاتوس.

3 - تناقض تلك المصادر، وعلى سبيل المثال: الهيجيلية من جهة، والعقلانية النقدية من جهة أخرى.

4 - عدم ثباته على أية حقيقة، منطلقاً من مبدأ Every Thing False الذي كان يختتم به محاضراته أمام الطلاب ويعني به " كل شيء باطل".

لكن ذلك لا يمنع اعتبار لاكاتوس من أوائل الإبستمولوجيين الذين قدّموا رؤية جديدة لقراءة العلم، والبحث حول منهجه، وقد حاول هذا الفيلسوف أن يقدم محاولة لبناء نظرة منهجية علمية لبعض النظريات، وامتلك إستراتيجية فكرية متينة حاول بها تجاوز فلاسفة العلم، والإبستمولوجيين البارزين.

وقد حاولنا في هذه الدراسة الإشارة إلى المفاصل الرئيسة في فكر الفيلسوف، الذي لا نغلوإن وصفناه (أي:فكرهُ) بالموسوعي، وذلك بسبب تناوله جوانب عديدة من المعرفة العلمية، تُمَثِّل معلماً بارزاً في تأريخ المعرفة العلمية، على الرغم من التناقض الذي سيظهر أحياناً، وهو ناتج  عن شخصية لاكاتوس ذاتها.

عامر عبد زيد، قراءات في الخطاب الهرمينوطيقي

يتضمن هذا البحث حفريات وجنيالوجيا التأويل في الثقافة الغربية التي تمتد من العصر اليوناني إلى العصور الحديثة، ويظهر التأويل بوصفه مفهوم كلمة الهيرمنيوطيقا فن التأويل كما هو الحال مع الكلمة المشتقة من الإغريقية التي تمفصلت مع لغتنا العلمية، وتتوزع في المستويات المختلفة للتفكير.

 تدل الهيرمنيوطيقا Hermeneutic - من خلال  الحقل الدلالي الذي يغطيه المصطلح الإغريقي- معاني :التعريف والشرح والترجمة والتأويل والتعبير  (وقد تطورت الفعالية (الهيرمينوطيقية) بوصفها تأويلا وتفسيرا لنصوص خاصة انطلاقا من الرواقية لتأخذ شكل القراءة الاستعارية وهكذا، وقد شكلت الهيرمينوطيقا تجاوزا للتحليل النحوي والبلاغي بالبحث عن النوايا العميقة للمؤلفين) ومن هنا نجد إن كلمة Hermeneutike : تتضمن بالإغريقية في اشتقاقها اللغوي كلمة (tekhne) التي تشير إلى ( الفن ) بالمعنى الاستعمالي التقني لآليات ووسائل لغوية ومنطقية وتصويرية واستعمالية ورمزية.

 وبما أن الفن لا ينفك عن الغائية (teleologic) فان الهدف الذي تجترحه هذه الوسائل والتقنيات هو(الكشف) عن حقيقة شيء ما.... وعليه تعني الهيرمينطيقا فن التأويل.ومن هنا فان وظيفة التأويل تنصب على إيضاح مقاطع غامضة وغير مستوعبة من النصوص، لأن المعنى الجليّ والواضح لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل، وقد يحتاج إلى تأويل ليكون معقولاً. نظرية التأويل تدور أساساً حول إيضاح وتفسير الأشياء لتصبح مفهومه ومعقولة. وهدف نظرية التأويل هو تعميم مشكل الهيرمينوطيقا على جملة الممارسات الفردية والاجتماعية والتصورات والأفعال والمقاصد، بمعنى تهدف إلى فهم صحيح للتجربة الإنسانية برُمّتها.




الفلسفة هي فسيولوجيا العقل وعلم تشريح الافكار

تشير عبارة العنوان ( الفلسفة هي فسيولوجيا العقل وعلم تشريح الافكار ) الى موضوعين اساسيين: الاول يخص معنى العبارة ككل وهو تقديم تعريف جديد للفلسفة مهمتنا التدليل عليه في هذا البحث . والثاني, يمس خاصية جوهرية لطالما انكرت على الفلسفة وهي انها ( علم ).
فما علمتنا اياه الادبيات حول الفلسفة هو انها أي الفلسفة لا يمكن ان تكون علما كونهما – العلم والفلسفة – يختلفان بالغاية والمنهج والانطلاقة .. هذا الكلام صحيح في جميع تعريفات العلم لكن فحصا دقيقا لهذه التعريفات يجعلنا نقع على شطر قريب الى الفلسفة والذي يرجع اكتشافه الى فلسفة العلم وهو الشطر النظري ففضلا عن التلاقي بين الفلسفة والعلم من خلال تعريف العلم على انه " مفهوم غامض فهو في ان موقف ازاء الطبيعة ومجموعة معلومات وطريقة تفسير وعمل ففضلا عن هذا نجد نقطة التلاقي هذه تتجسد بشكل كبير بتذكر اهمية الفلسفة للعلم ففرانك وببحثه عن الحلقة المفقودة بين الفلسفة والعلم اكد على اهمية ان لا يقتصر فهمنا على العلوم نفسها بل يجب " الايمان بوجود مبادىء فلسفية .... يمكن ان نشتق منها البيانات العلمية سواء منها الاجتماعية او الطبيعية "لكن التعويل على الجانب النظري في تعريفات العلم كان قد جسد نقطة التلاقي هذه بشكل كبير حيث نلمح مزايا فلسفية في صلب نظرية العلم فعندما يقول كونانت ان " العلم عبارة عن سلسلة من تصورات ذهنية ومشروعات تصورية مترابطة متواصلة هي جميعا انتجة لحدثين هما الملاحظة والتجريب "فانه يكون قد عول على الجانب النظري بشكل كبير كون التصور الذهني يعني الفكرة او المعنى المجرد اما المشروع التصوري فيوقظ الذهن لايجاد نسق كالفرض او النظرية ونحن نعرف جيدا ان التجريد والانساق الذهنية والفروض الخيالية هي من عمل الفلسفة ولهذا السبب ممكن ان " يتفق الباحثون جميعا على ان العلم بحث نظري بمعنى انه جهد مبذول للمعرفة والفهم الذي يحيط بظواهر الطبيعة على ان تشمل الطبيعة كلا من الانسان والعالم المحيط به "فان يكون العلم بحث نظري قد يضفي صفة العلمية على الفلسفة كونه يذكرنا بوجهها النظري وان كانت تتقاطع مع العلم مع شطره التجريبي.
من كتاب : افراح لطفي عبد الله، الفلسفة : فسيولوجيا العقل وعلم تشريح الافكار.